محاسن زين العابدين
‫الرئيسية‬ مقالات اتفاق جوبا 2020 .. العروس للعريس والجري للمتاعيس (1)
مقالات - 28 أكتوبر 2020, 12:24

اتفاق جوبا 2020 .. العروس للعريس والجري للمتاعيس (1)

محاسن زين العابدين عبدالله

تظلُّ أماني وأشواق السلام المُفضي لإدارة التنوع وبناء دولة المواطنة هاجس كل وطني غيور. وقد ظلَّت مُحادثات السلام تتراوح صعوداً وهبوطاً على مدى عام كامل حاملاً على جناحيه حلم الملايين بتحقيق السلام، وإحلال حالة اللاحرب واللاسلم، واستراحة المحاربين تحت ظل حكومة سودان ديمقراطي موحد.

عامٌ لم تهدأ فيه المُناوشات والمظالم حد السحل. فالصراع على الموارد الذي حلَّ محل التعايش السلمي في بداية الثمانينيات تطور بوتيرة عالية عندما دخلت فيه الدولة كطرف بسنها قانون الدفاع الشعبي وتسليح المراحيل في العام 1987. تفاقم ليصبح صراعاً إثنياً سياسياً وصراع تمكين، مستثمراً العصبية القبلية المُمتدة داخل وخارج الحدود بترتيبات من الحكومة الهالكة، أدت إلى حرق القرى وتهجير القاطنين، وانتشار السلاح، واستخدام كافة أشكال العنف بما فيها السعي إلى الإبادة الجماعية، والعمل على تغيير التركيبة السكانية. وشكَّلت التجارب والمظالم التاريخية استراتيجيات مرتدة قامت على الولاء العصبي القبلي والمناطقي. وتجزأت ذات الحركات إلى أكثر من (87) حركة بفعل العمل الاستخباراتي لأجهزة النظام البائد، ليست جميعها ذات وزن على الأرض.

بدءاً، لابد من التأكيد على أنَّ الأمن والسلم الاجتماعي يمثلان أهميةً قصوى لإدارة التنوع وبناء دولة المواطنة، وقد بدأت مُفاوضات السلام وفي جعبتها الكثير من النقاط المحورية الإيجابية المُتمثلة في الإرادة السياسية في تحقيق السلام (الواقع الذي فرضته الثورة)، والدور المُجتمعي الواعي المتمسك بشعارات الثورة، إلى جانب تدخلات القوى الخارجية بين إحلال السلام وإحلال سلام ممنهج.

وقد جاء تأسيس المبادئ العامة في كل اتفاق على الحقوق المدنية، ومن ثمَّ الاتفاق على الحكم الفيدرالي (الإقليمي). كما أقرَّت الاتفاقيات بالفصل بين المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة، وملامسة كافة القضايا التنموية المطلوبة لتحقيق أوضاع معيشية مستقرة مثل: الفقر، والتعليم، والصحة، والعمل، والقوانین، والسلام، والوضع الأمني، والأمن الغذائي.

فهل نجحت جوبا 2020 في الوصول إلى عمق المشكلة وفتح الجسور إلى حياة آمنة مستقرة؟ سأتناول هنا بعض المحاذير والمخاطر التي تحدق بالاتفاقية من نصوصها. ولابد من التأكيد أولاً بأنَّ انعكاسات التجارب السابقة كانت المسطرينة (Bench mark) لحركات المُقاومة في المناطق الممتدة من دارفور مروراً بجنوب كردفان إلى النيل الأزرق: تجربة الجنوب ونيفاشا طرحت شعار الدوشكا بأنَّها السبيل لتحقيق المطالب. ومن ثمَّ عدم استجابة قرنق لانتفاضة 85 واستمراره في حمل السلاح ضد حكومة الثورة (الدوشكا والمكاسب)، وكان ذلك درساً أيضاً لجبهات المُقاومة في مناطق النزاعات في عدم استجابتها لثورة الشعب في ديسمبر 2018 (الدوشكا والمكاسب السياسية والمناطقية)، ولاحقاً انساقت الجبهة الثورية في ذات التيار، على الرغم من توقيعها على ميثاق الحرية والتغيير ضمن قوى نداء السودان، ومشاركة مندوبيها في المفاوضات، إلا أنَّهم تراجعوا (سعي نحو تعظيم المكاسب – الاستقطاب – وتقاطعات المصالح).

بلغ عدد الاتفاقيات سبع اتفاقيات شملت خمس حركات من مناطق النزاعات، بالإضافة إلى موقعين عن مسارات الشرق والشمال والوسط، وقد شمل التوقيع ممثلي خمس من الحركات الدارفورية لا يملكون جيوشاً على الأرض، لكن بلا شك من الفاعلين ولديهم تاريخ مُقاومة ومُناصرين وأتباع، ولا نملك إلا أنَّ ننظر إلى الجزء المليء من الكوب، ونحسب هذه الخطوة في إطار المُطالبة السياسية وليس في إطار صنع السلام الدائم، إيماناً بأنَّ كل طريق يؤدي إلى السلم والتوافق هو أمر مطلوب يؤدي إلى توسيع العمل الجماهيري القاعدي، ويشجع توافق المكونات الأخرى، وهي الأقوى (الحركة الشعبية قيادة الحلو، حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد)، في إطار أنَّ الطريق إلى السلام يبدأ بالسلم الاجتماعي. فكسب جزء من الفاعلين في عملية النزاع سواء أكان فعلاً سياسياً أو مقاوماً هو جزء من المسار الطويل لتحقيق السلام. هذا الوضع يمكن أن يثمر فقط في حال ارتباطه ببنود اتفاق منصفة وعادلة تبتغي وجه الوطن. فعملية السلام عملية طويلة تتطلب صبراً ومثابرةً لتشمل جانبين: جانب تحقيق السلام وإيقاف الحرب واستتباب الأمن، ثم الجانب الآخر وهو تحقيق السلم الاجتماعي بتحقيق التعايش السلمي بين المكونات المختلفة، ورفع المظالم، وهي المهمة الأصعب.

لقد كانت أولى المُلاحظات هو أنَّ إقحام مسارات ليست معنية بالنزاع أو استخدام السلاح. بجانب أنَّه منح من لا يملك لمن لا يستحق، فإنَّه يتضمن مسار خطر ويؤسس للتجزئة والعمل على تكريس المناطقية والعصبية القبلية، خصماً على التوجه الأسمى بالعمل في إطار عام يضم كل السودانيين دون تمييز سواء أكان ذلك على أسس إثنية أو عرقية أو انتماءً جغرافياً أو سياسياً. وما يثير التعجب حقاً هو الانتشاء لاتفاق تبنى مرجعية الترضيات الهادفة إلى الاحتواء دون تحسب لنتائجها. فالنصوص الغامضة والخبيئة تجسد واقعاً مرسوماً بعناية لإحداث تغييرات مفصلية. هذا إلى جانب أنَّ عقد اتفاق جزئي في غياب أطراف الصراع القوية والتي تمتلك جيوشاً تسيطر على مواقع سيطرة إدارية وعسكرية كاملة (الحلو ونور) لن يحقق السلام المنشود. وسوف نحاول التطرق لمضامين اتفاقيات جوبا 2020 ونتعرض لأكثر مراميها أهمية.

في الإطار الظاهري، جاءت الصياغة للاتفاقيات فضفاضة وغير منضبطة وقابلة للتأويل. والاسترسال في النقطة أو الهدف الواحد في عدة بنود (حشو منمق غير قابل للقياس). واستخدام الأفعال التقريرية التي لا تقود إلى نتيجة محددة (مثال يدرك الطرفان بأنَّ وجود قوات أجنبية – ضرورة الدراسة للتوقيع على الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل والمرأة)، وفيما يلي بعض أخطر الملاحظات على المستوى الكلي:

⦁ لقد صممت الوثيقة وهي تحمل تعديات على الوثيقة الدستورية، يتطلب تطبيقها تعديل الوثيقة الدستورية، بينما الوثيقة الدستورية لا يجوز تعديلها إلا من قبل المجلس التشريعي وبتوافق ثلثي الأعضاء. فكيف تغاضى المتفاوضون عن نصوص الوثيقة الدستورية على علاتها؟ وكيف أنجر قادة الحركات وهم من عتاولة السياسيين لهذا الشرك والرضا بالمكاسب الذاتية والآنية دون تحسب للمخاطر الناجمة عن خرق الوثيقة الدستورية، خصوصاً أنَّ أي اتفاقيات جديدة تعني مزيداً من التدخل في وثيقة على علاتها، وولادتها العسيرة، ارتضاها المتفاوضون؟

⦁ كما تتضمن الوثيقة تعديلاً على بنود في الوثيقة شملت تمديد الفترة الانتقالية لعام آخر (39 شهراً) واستثناء أعضاء مجلس السيادة والوزراء في الفترة الانتقالية من الترشّح في الانتخابات العامة، ومنح شاغلي المناصب الدستورية في الفترة الانتقالية حق الترشح في الانتخابات العامة، وتخصيص (25%) من المقاعد الوزارية و(25%) لعضوية المجلس التشريعي لممثلي أطراف الاتفاقية، وتخصيص (10%) من الوظائف القيادية العليا في الولايات التالية: الشمالية، ونهر النيل، وسنار، والجزيرة، والنيل الأبيض، وشمال كردفان، وغرب كردفان. وبينما نص الاتفاق على (25%) في تكوين مجلس الوزراء، فقد جاءت الإضافة على مجلس السيادة بزيادة (25%)، وعلى الرغم مما يخبئه هذا التمييز للنص من محاذير، فإنَّنا وفي الاهتداء بميزة الشك لن نصرح الآن بأنَّ هذا مؤشر متعمد لاصطفاف جديد، وترجيح لكفة الميزان.

⦁ وبينما أقرَّ الاتفاق الحكم الذاتي على المناطق خارج سيطرة الدولة والتي يديرها الحلو، فإنَّ الحلو نفسه لا يطرح الحكم الذاتي، بل يطرح الحل على مستوى القضايا الوطنية وليست الجهوية.

⦁ نصت المادة (1.7) على الفصل التام بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة ووقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان وكريم المعتقدات، على أنَّ يضمن ذلك في دستور البلاد وقوانينها. وهو أمر جيد، لكن تظل الأسئلة قائمة حول أهمية تحديد مصادر التشريع.

⦁ لقد اتسمت المفاوضات التي استمرت على مدى عام كامل بالسرية مع عدم مشاركة القوى السياسي وأصحاب المصلحة والنساء النازحات والمهاجرات خلافاً لنص القرار (1325) عن دور المرأة في السلام. ومن ثم جاءت المشاركة للنساء صورية باهتة في حفل التوقيع.

وسوف أتناول هنا بعض بنود اتفاق الترتيبات الأمنية وهو الأكثر إثارة للمحاذير، وفيما يلي بعض مما جاء فيه مما أرى أنَّه يشكل مكامن الخطر:

⦁ الإقرار بكينونة الدعم السريع كقوة مسلحة قائمة بذاتها، إذ رسَّخ الاتفاق لمنحها الشرعية دون أي التزامات … وتشير النصوص إلى أنَّ كافة الالتزامات تصدر باسم القوات المسلحة (نصَّت المادة 1 12 9 على أنَّ مصطلح المؤسسة العسكرية يشمل الدعم السريع والقوات المسلحة)، عدا ذلك تذكر كل منهما منفردة.

⦁ تمَّ التوقيع على اتفاقية الترتيبات الأمنية وشمل الحديث في بعض بنودها على كلام عام، فالحديث عن الترتيبات شمل المرحلة الثانية توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، هذا الاتفاق تمَّت الإشارة إليه دون أن يشمل ضمن الاتفاقات السبعة الموقعة، كما لا توجد رؤية واضحة حوله على الرغم من أهميته.

⦁ أشارت اتفاقية الترتيبات الأمنية إلى الإقرار في المبادئ العامة بدور الدعم السريع والأجهزة الأمنية في النضال ضد الحكم البائد، وهو نص يخلو من البراءة، خصوصاً عندما يتصل الأمر باتفاق هو في حكم الدستور بحكم النص على إلحاقه بالوثيقة الدستورية. وهو صك براءة ومنحة من أعضاء الجبهة الثورية الدارفوريين لقوات الدعم السريع من قتل رفقائهم وأنصارهم.

⦁ تبرز بعض النصوص المُبهمة والقابلة للتأويل، فإذا كان الوضع الطبيعي هو اندغام هذه الحركات في الأجهزة الرسمية على كافة المستويات مشكلة للحكومة (الدولة) فإنَّ الاتفاق يظل يشير في كافة نصوصه إلى طرفين للمراحل ما بعد التوقيع. (مثال: المواد 17 و18) (ومن الإشارات الغريبة احتلال مواقع جديدة بينما جميع من وقعوا لا يحتلون الآن أي أراض).

⦁ من أكثر البنود إثارة للمخاطر والمحاذير هو آلية حصر وتسجيل العناصر الدارفورية التي شاركت في المقاومة المسلحة. حيث سميت بعملية التجميع والدمج. وتكمن خطورة عملية التجميع الهادف للتسكين كقوة حكومية تابعة لأي من القوتين في عدة جوانب.

⦁ الفوضى في تعريف المقاتل بأنَّه أي شخص يحمل سلاحاً. إذ المطلوب من هذا المقاتل أن يأتي بنفسه حاملاً سلاحه ليسجل كمقاتل ثم يدرب لمدة أربعة أشهر ويدمج في إحدى القوتين القوات المسلحة أو الدعم السريع. حسب نص المادة (14 2 5 25).

⦁ بينما ينص الاتفاق على الحق في إضافة (15%) لأشخاص لا يملكون سلاحاً دون تحديد لمعايير.

⦁ منح رتبة الضابط وفق معيار معرفة القراءة والكتابة فقط.، فإذا تغاضينا عن المعايير الموسومة للقوات المسلحة في وظيفة من أخطر الوظائف، فهي عملية تحمل الكثير من سوء النية لأنَّها عبارة عن محاباة وتجنيد (recruitment) يفتح الباب للاستقطاب والجذب والتنافس على تمكين القبيلة، من ناحية من ناحية أخرى فإنَّ معيار القراءة والكتابة هي ثغرة للاستقطاب والمحسوبية والتقييم غير الموضوعي.

⦁ إنَّ آلية التجميع والدمج بلا شك هي تكريس للاصطفاف القبلي والعقائدي، وثغرة للتمييز ودخول كتائب الظل بالباب. وفي العموم، فإنَّ هذه الآلية ترجح موازين القوة فيها لصالح من يملك المال لشراء سلاح يمنحه لأتباعه للذهاب بأنفسهم وحمل السلاح للتسجيل كمقاتلين. لكنَّه أمر غير مستبعد لأن هنالك نصاً بمنح هذه المكونات مبلغ مائة مليون دولار في ظرف شهر، بينما يستمر التجميع على مدى (45) يوماً (فلماذا وكيف يمكن تفسير تسمية هذا الفعل لأناس سيكونون شركاء في الحكم وفقاً لأحكام وشروط وقيم الخدمة العامة؟).

⦁ مرحلة التجميع والدمج هي المرحلة الثالثة بعد استكمال مرحلتين أهمها اتفاق وقف إطلاق النار هذه المدة، يضاف إليها النص على استمرار عملية التجميع على مدى (45) يوماً، وهي مدة كافية للتجنيد والاستقطاب من قبل أعضاء الجبهة الثورية والآخرين الذين لحقوا في اللحظات الأخيرة. وقد رشحت في الميديا بعض من مظاهر الاستقطاب والتجنيد التي بدأت.

⦁ يشير الاتفاق إلى عقيدتين للقوى العسكرية، فالمادة (33 6 4) تفرد للقوات المسلحة السودانية النص على اتباعها العقيدة العسكرية وفقاً للسياسة التدريبية في الكليات العسكرية ومراكز التدريب. وفي إشارة أخرى تبني العقيدة العسكرية وفقاً للدستور دون تحديد جهة محددة. بينما يكتنف الغموض البند (5 1 33) الذي يشير إلى جيش يتبني عقيدة موحدة.

⦁ ونص البند (11 5 33) على إصلاح القوات المسلحة لتكون ممثلة لجميع سكان السودان في عضويتها العامة وفي قيادتها على كافة المستويات. هذا النص طبق على القوات المسلحة ولم يطبق على الدعم السريع، ومن المخاطر التي تكتنف تفسيره أنَّه أشار إلى سكان السودان، وهو نص يحتمل سكان السودان من جنسيات غير سودانية. وبينما تم وضع معايير لقوات الشرطة بحيث لا تنتمي لحزب أو قبيلة أو غيرها، فإنَّ ذات الشروط لم توضع للقوى العسكرية أو لأطراف الصراع ممن سيلحقون بالقوات المسلحة والدعم السريع.

هذا وإلى جانب أنَّ إجراءات وقف إطلاق النار تؤسس لمرحلة جديدة من الجرجرة، بإطلاق بنود عامة وغير حاسمة وبالنص على اتفاقية لم توقع ولم يحدد لها وقت تبدو من المحاذير التي تؤدي إلى التطويل قبل الدخول في مرحلة التجميع والدمج.

إنَّ اضطلاع حميدتي بآلية السلام يبدو أمراً شائهاً. حيث كرَّست الاتفاقية لإضفاء الشرعية على قواته وعمدت إلى تمكينها، إذ تتساوى الفرص في إلحاق المقاتلين الذين يتم تجميعهم وتدريبهم في كل من القوات المسلحة والدعم السريع وهي بلا شك خطة جهنمية لتمكين الدعم السريع، فإذا تحرينا إمكانيات الدعم السريع صاحب المال والامتيازات المغرية، فإنَّ الدعم السريع والحركات التي يبدو للعيان أنَّها ستتحالف معه ستكون هي صاحبة الكسب الأكبر. حيث تتخلق قوة جديدة من مكونات المسار، ويبدو واضحاً أنَّ حلفاً جديداً يتكون من جهة أخرى، وهو أمر بالغ الخطورة على القوات المسلحة والعقيدة العسكرية. وعلى أمن الوطن.

لقد عمد المفاوض الذكي إلى تأمين التدابير المتخذة بجعل الاتفاق جزءاً ملحقاً بالوثيقة الدستورية وسداً للذرائع لمنحه ككيان الشرعية الدستورية، لقد استفاد حميدتي من الدرس السابق بسد الذرائع التي وردت في المذكرة التفسيرية لوزارة العدل في 23 أكتوبر 2016 بعدم دستورية قانون الدعم السريع بسبب انتهاكه قانون القوات المسلحة وانتقاصه من سيادتها وسلطتها العسكرية، والانتقاص من ولاية القوات المسلحة على السلاح والقوة المسلحة، وهو يعلم حقاً أنَّ البشير منحه الشرعية، لكن تبرز الصعوبة في منحها له في الوضع الحالي.

إنَّ طبيعة قوات الدعم السريع القبلية والقائمة على التمكين الأسري والقبلي، وتوزيع الرتب العسكرية دون ضوابط مهنية وجدارة يعد خرقاً بالغ الخطورة، ويشكل هاجساً على أمن الوطن، كما تنعكس مؤثراته سلباً على القوات المسلحة النظامية وعقيدتها العسكرية، ويخلق تمييزاً يدعو إلى الفرقة والفتنة. هذا الوضع يزداد هشاشةً في ظل الآليات التي نصَّ عليها الاتفاق. فالمنضمون الجدد من تابعي الحركات الموقعة القائمة على المناطقية والقبيلة والتبعية لمكونات الاتفاق. كل ذلك يقود إلى الاصطفاف القبلي، ويهدد التماسك والنسيج الاجتماعي ويزيد من مخاطر الفشل في إدارة التنوع وبناء الدولة.

هذا التحليل يستند إلى ما كان والواقع الحالي، فالواقع السوداني كان مستنداً على التعايش السلمي بين المكونات في المنطقة والقدرة الذاتية على حل الخلافات التي تظهر هنا وهناك، بينما أسفرت مؤثرات سياسة النظام الهالك واستغلاله للقبلية والمناطقية ما نشهده اليوم من صراعات تتفاقم وتتسع، وأخيراً لم ينس قائد الدعم السريع أن يؤمن موقفه وموقف رفقائه، فأشارت اتفاقية الترتيبات الأمنية إلى العفو العام عن الجرائم المرتكبة. وعقد اتفاق لجبر الضرر سنتحدث عنه لاحقاً.

 

 

 

 

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 3.9 / 5. Total : 11

كن أول من يقيم هذا المقال